الملح… الملك غير المتوج والعمود الفقري لكل مطابخ الدنيا

الملح، المادة المتواضعة، والمكون السحري الوحيد في ترسانة كل طباخ. فمقدرة الملح على تغيير مذاق الأطعمة هي من الأعاجيب، يمكنه أن يزيد من المرارة، أو يخفف من شدتها، أو يرفع من مستويات روائح الطعام، أو ربما يجعل النكهات في الطعام تتراقص على نغماته الحانية.

هناك أنواع مختلفة من الأملاح إلى جانب ملح الطعام التقليدي المعروف وملح البحر كذلك. ومن الناحية الفنية، كل الأملاح هي كلوريد الصوديوم في المقام الأول، لكن استناداً إلى مواقع الحصول عليها وكيفية معالجتها، يختلف ما توفره من القوام والألوان والنكهات المميزة. وهناك في الهند أملاح من البيئة المحلية، والتي يتم الحصول عليها من الصخور المتنوعة ومن البراكين الجافة الخامدة.

– الملح الأسود (كالا ناماك)

الملح الأسود من الأملاح الصخرية البركانية الهندية، ويتميز بصبغته الوردية المميزة ومذاقه الكبريتي الخاص. ويأتي لونه الداكن من رواسب الحديد وغيره من المعادن. ولونه الصخري هو الأسود الأرجواني الداكن، وفي الطبيعة يتخذ اللون البني، وعلى المائدة يتحول إلى اللون الأحمر القاني.

وكان مهاريشي شاراك، عرّاب طب الأيورفيدا الهندي التقليدي، هو من اكتشف الملح الأسود الصخري عام 300 قبل الميلاد. ويزعم ممارسو هذا الخط من الطب التقليدي أن الملح الأسود الهندي يحوي خصائص علاجية متعددة، ويستخدمونه في تهدئة الأمعاء، وتخفيف الوزن، وعلاج الهيستريا، وتنطيف الأسنان.

يوضع الملح الأسود الخام في وعاء مع الفحم والأعشاب والبذور واللحاء، ثم يُترك في الفرن الساخن لمدة 24 ساعة كاملة على درجة حرارة أعلى من 1400 درجة فهرنهايت قبل تبريده وتخزينه وتعتيقه. وهذه العملية تمنح الملح الهندي الأسود اللون الأسود المائل للحمرة، ومذاقه اللاذع، ورائحته الكبريتية الهادئة. وهو غالباً ما يستخدم في الأطباق النباتية والخضراء حال امتزاجها مع التوابل والبهارات الهندية الشهيرة. ويستخدم هذا النوع من الملح على نطاق واسع في أطباق جنوب آسيا، في الهند، وبنغلاديش، ونيبال، وباكستان كأحد التوابل، ويُضاف إلى الصلصات، والسلطات، وجميع أنواع الفاكهة، وصلصات اللبن الزبادي، والكثير من الوجبات الهندية اللذيذة الأخرى. ويُخلط الملح الأسود كذلك مع بذور شجرة هليلج كابلي السوداء، أو المعروفة في الهند باسم شجرة الحاراد، وهي من الأعشاب المفيدة للغاية في حالات الإمساك.

الطهاة يفضلونه كثيراً. فهو رفيق رائع لجميع الوجبات المقلية الخفيفة. ويعتاد الشيف فيكرام إضافة الملح الهندي الأسود إلى طبقه المفضل «دجاج كاراج»، إذ تُتبل صدور الدجاج مع فول الصويا، والزنجبيل، والثوم، ومستخلص الأرز، والملح الأسود، ثم يتم قليها وتقدم طازجة.

– الملح الصخري (سيندها ناماك)

هو أنقى أنواع الملح قاطبة على حالته الطبيعية الخام. ويتم في المعتاد استخراجه من الرواسب تحت الأرض التي خلفتها البحيرات المجففة. كذلك، فإن الملمس الخشن للملح الصخري، عند مقارنته بالملمس الناعم لملح المائدة العادي، يُضاف إلى رائحته المعززة على موائد الطعام. وهو من الأملاح الخشنة ذات الحبيبات الكبيرة، ويطلق عليه أيضاً ملح الهالايت أو ملح الأرض. ومحتوى الصوديوم فيه قليل بالمقارنة مع ملح الطعام، ويحتوي على 94 من الآثار المعدنية، على العكس من ملح الطعام الذي يحتوي على ثلاثة نظائر معدنية فقط. ونظراً لدرجة نقاء هذا الملح العالية، فإنه يستخدم خلال الاحتفالات الدينية في الهند. ويقلل هذا النوع من الملح من درجة تجمد الماء، ويمكن استخدامه لتلك الخاصية في ماكينات الآيس كريم.

وأظهرت الأبحاث أن الملح الصخري أكثر فائدة من أملاح الطعام الأخرى، ولا سيما للمرضى الذين يعانون من أمراض الكلى المزمنة.

ملح الهيمالايا الوردي

تستمد ألواح ملح الهيمالايا المقطعة يدوياً من رواسب الملح الطبيعية المتواجدة في السفوح السفلية من جبال الهيمالايا الهندية ومنطقة البنجاب في باكستان. وهو من الأملاح الغنية للغاية بعنصر اليود. وتُعرف هذه الكتل الملحية وردية اللون بطعمها النقي والنكهة الغنية. ويرجع لونها الوردي الأخاذ إلى توافر أكسيد الحديد فيه.

كان رجل الأعمال الأميركي والكاتب المعني بالأغذية مارك بيترمان يتناول موضوعات الأملاح والكتل الملحية من جبال الهيمالايا منذ سنوات وحتى اليوم. وفي كتابه المعنون «الطهي بالكتل الملحية» يقول «تقل المسامية للغاية في كتل أملاح الهيمالايا الهندية ولا تحتوي على أي نسب من الرطوبة تقريباً، ويمكن تسخينها أو تبريدها إلى أقصى ما تسمح به درجات الحرارة؛ مما يجعها متعددة الاستخدامات». يمكن وضعها على الطعام أو الطبخ بواسطتها. ويستخدم بيترمان كتل الملح في إعداد الخضراوات السوتيه، والشواء، والتبريد، والعلاج، والخبز، وحتى في تقديم أطباق المائدة. وعندما تُطهى الأطعمة على كتل الملح هذه فإنها تكسبها ملوحة مذاقية مميزة للغاية.

المنقوع الملحي (الأملاح المنكهة أو ما يُعرف محلياً باسم «بيسي لوون»)

وهنا يأتي دور السحر – مع إضافة الأعشاب إلى هذا الملح المعدني الشاحب يتغير الطعم تماماً. غالباً ما يتم نقع هذه الأملاح بإضافة نكهات الخردل، والكزبرة، والثوم، والزنجبيل، والكمون، وبذور الكروم، والحلتيت، والقنب الهندي، وأنواع مختلفة من الفلفل بألوانه (الأحمر، والأخضر، والأصفر).

وبصرف النظر عن النكهة القوية التي تضفيها على الأطباق، فإن فائدتها الصحية عظيمة، كما يجري تناولها مع الخبز الهندي المميز، كطعام يشيع الدفء في ليالي الشتاء الباردة. لا بد من إفساح بعض المساحة في مخزن الطعام خاصتك لبضع إضافات جديدة مع ضرورة معرفة كيفية صناعتها في المنزل. والتحذير الوحيد لدينا هو عدم استخدام ملح المائدة في صناعة المنقوع الملحي، بل لا بد من استخدام ملح «بيسي لوون» المستخرج بصورة طبيعية.

وتعتبر أملاح «بيسي لوون» المنكهة من مفضلات سكان مناطق الهيمالايا الأصليين، وهي متوافرة لديهم في 24 نوعاً مختلفاً. ومع قلة الدلائل التاريخية التي تفيد بكيفية وتاريخ دخول أملاح «بيسي لوون» إلى مطابخ الهيمالايا، إلا أن السكان الأصليين هنا لديهم نظرياتهم الخاصة.

تقول ريخا كوثاري، التي تعمل في بيع كيلوغرامات عدة من ملح «بيسي لوون» عبر الإنترنت، إن الناس من سكان التلال يميلون إلى استهلاك كميات قليلة من المياه في الشتاء. ونظراً لأن الملح يزيد من الإحساس بالعطش، فإدخاله ضمن النظام الغذائي يمكن أن يكون وسيلة من وسائل المحافظة على الترطيب. وهناك سكان أصليون آخرون يعتقدون أنه من وسائل إضافة المزيد من الأعشاب إلى النظام الغذائي اليومي. كما أنه يستخدم أيضاً طبقاً جانبياً خلال موسم الجفاف عندما يقل المعروض اليومي من الخضراوات الطازجة. وفي كل يوم بعد الفراغ من الأعمال المنزلية اليومية ترجع ريخا كوثاري إلى حجري الدق والمطحنة الخاصين بها كي تواصل العمل وتحضير المزيد من النكهات الملحية المتنوعة. وفي أوقات سابقة، كانت تعد هذه المنتجات لأجل عائلتها، وفي هذه الأيام تعمل على توفيرها إلى المحال التجارية التي تحاول تلبية الطلبات المتزايدة عليها من خارج منطقة التلال. ومن التوابل والبهارات والأعشاب التقليدية، تضيف ريخا كوثاري نكهات القرنفل، والفلفل للتركيبات الخاصة التي يطالب بها العملاء، كما أنها تُصنع خصيصاً لأولئك الذين يتجنبون تناول البصل أو الثوم لأسباب صحية.

ويعتبر ملح «دايندوسا» اللاذع المصنوع من الفلفل والخردل هو المفضل لديها. وفي المطبخ الجبلي في أوتاراخاند، فإن صناعة هذه الأملاح من المهارات المهمة. ومن المثير للاهتمام، أن النساء فقط من أهالي هذه المناطق هن اللاتي يتقنّ فنون التشكيلات الملحية المتنوعة، بناءً على الأساليب التقليدية التي يعرفنها من الدق والطحن والمزج. وانتقلت وصفات هذه الأملاح المنكهة من الأمهات إلى الفتيات عبر الأجيال. وهناك الوالدة إنديرا وابنتها ديفيا اللتان تعملان سوياً على جلب وصفات أملاح «بيسي لوون» المنكهة إلى العالم من خلال مشروعهما المسمى «هيمالايا هات». وأسفر اكتساب هذه الأملاح المنكهة للشعبية الكبيرة في المناطق الحضرية من البلاد عن إيجاد إمكانية جديدة لكسب الأموال والاستقلال المالي بالنسبة لهؤلاء النساء الريفيات. وتعمل النساء على زراعة الكثير من الأعشاب المحلية مثل النعناع، والكزبرة، والريحان، والزنجبيل، والثوم، والسمسم، والقنب، والكمون، ومختلف أنواع التوابل الأخرى بهدف التقليل من تكاليف شرائها.

وفي حين الكثير من النساء يعملن لدى المنظمات غير الحكومية أو لدى مجموعات المساعدة الذاتية، فإن الكثيرات منهن يلبين طلبات العملاء بصورة فردية من خلال منصات التواصل الاجتماعي مثل «إنستغرام» أو «فيسبوك». على سبيل المثال، تبيع ريخا كوثاري هذه الأملاح عبر منصة «إنستغرام» مع منظمة «ماهيلا نافجاغران ساميتي» غير الحكومية.

وفي فصل الشتاء، اعتادت وضع السمن على خبز الشاباتي، ورش ملح «دايندوسا» عليه، ثم تناوله في لفائف. وفي الصيف، ترش ملح «دايندوسا» على الفواكه لتحضير وجبة «تشات» الخفيفة. وفي واقع الأمر، تقول ريخا كوثاري، من بلدية شيفناغار المحلية، إن أكثر الناس في المنطقة يستخدمون أملاح «بيسي لوون» المنكهة لتحسين المذاق مع الخبز أو الأرز الهندي.

ويستخدم الشيف آرجون هذه الأملاح المنكهة في إعداد مختلف الأطباق مثل الباستا أو البيتزا. وهو يقول عن ذلك: «يتم رش كمية معتدلة من مسحوق الفلفل الأحمر على البيتزا، والمعكرونة، والبيض المقلي أو خبز الإفطار المحمص. كما أستعين به كذلك في إعداد طبق دال – فراي، أو أضعه مع البطاطا المقلية، أو أضيفه إلى الروبيان، وتضيف هذه التوابل نكهات رائعة لا حصر لها». وقال إنه يصنع مجموعته الخاصة من الأملاح المنكهة. كما يمكن للمرء إضافة الروزماري، واللافندر، وغير ذلك من أشكال الزهور والأعشاب المتوافرة محلياً. وبعض من هذه المستحضرات العشبية يمكن تجربة صناعتها في المنزل بكل سهولة.

– الملح الأحمر والأخضر

يُستخدم نحو 300 – 400 غرام من الثوم (حسب المذاق المطلوب) مع كل 500 غرام من الفلفل (الأحمر أو الأخضر أو مزيج منهما معاً). ثم يتم طحنها سوياً إما بالأسلوب اليدوي أو باستخدام الماكينة. ثم يُضاف إلى المزيج 300 غرام من الملح الصخري، ويُفرد في الشمس ليجف. ومع امتصاص المزيج للملح الصخري، استمر في رش المزيج بمزيد من الملح بواقع 50 غراماً على فترات حتى تعمل الشمس على تجفيف المزيج تماماً. تستغرق هذه العملية من 3 إلى 4 أيام، أو ربما أكثر من العمل المستمر، اعتماداً على الأحوال الجوية ومدى حرارة أشعة الشمس. ومع ذلك، إن كنت تحاول تحضيره داخل المنزل، يمكن صناعة المزيج في ركن المطبخ النظيف والجاف تماماً.

يمكن تحضير نوع آخر من أنواع الملح ذي النكهات عن طريق سحق وطحن أوراق الكزبرة، والفلفل الأخضر، والكمون، وبذور الكروم، والنعناع، والثوم، والزنجبيل، والملح، وخلطها في مزيج شبه جاف. ويستخدم طازجاً، كما يمكن استخدامه مع السلطات أو الفواكه.

ملح الثوم ببذور الفلفل

الطريقة: يشوى كمية معقولة من بذور الفلفل. وتوضع فصوص الثوم، والفلفل الأحمر، والحلتيت، وبذور الكمون، باستثناء الملح في الخلاط وطحنها جيداً. مع إضافة الملح الصخري على فترات ومواصلة الطحن في الخلاط. ويمكن استخدام هذا المزيج في تتبيل اللحوم أو يضاف إلى الخضراوات النشوية مثل البطاطا، أو الأسماك، أو ما شابه ذلك.